الأقصى في خطر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسلامي هادف


    تفسير الآية 3 من سورة - ق

    أبو عبيدة
    أبو عبيدة
    Admin


    عدد المساهمات : 197
    تاريخ التسجيل : 12/05/2010
    العمر : 32

    تفسير الآية 3 من سورة - ق Empty تفسير الآية 3 من سورة - ق

    مُساهمة  أبو عبيدة الأربعاء مايو 12, 2010 2:41 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم


    تفسير الآية 3 من سورة [ق]


    ((أءِذا مِتنا وَكُنا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعيد))


    لعل أكثر ركنين من أركان الإيمان وروداً معاً هما : الإيمان بالله واليوم الآخر، وإن أخطر موضوعٍ في العقيدة بعد الإيمان بالله هو الإيمان باليوم الآخر. لأن الإنسان إن آمن باليوم الآخر غيّر كل الخطّة التي يسير عليها. إذا آمن باليوم الآخر، وأدخل هذا اليوم في الحسابات اليومية صارْ إنساناً آخر، لأن كل عمله سوف يُحَاسَب عليه، وكل دخلِهِ سوف يُحَاسَب عليه، وكل إنفاقه سوف يُحاسَب عليه. إن الإيمان باليوم الآخر هو إيمانٌ من نوع اليقين الإخباري، لأن الله أخبرنا في قرآنه الكريم أن هناك يوماً يُحاسَب فيه الناس جميعاً، تسوّى فيه كل العلاقات، ترمَّمُ فيه كل المظالم، تؤدّى فيه كل الحقوق، يُحاسَب الإنسان على أدقِّ الأعمال .


    ((يومَئِذٍ يصْدُرُ الناسُ أشتاتاً لِيُرَوا أعمالَهُمْ * فَمَنْ يَعمل مِثقال ذرةٍ خيراً يَرَه * ومَنْ يَعمل مِثقال ذرةٍ شراً يَرَه))
    [الزلزلة]


    ((وإنْ كانَ مِثقالَ حَبةٍ مِنْ خَرْدَل أتينا بها وكفى بنا حاسبين))
    [الأنبياء]



    وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ به؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟)) رواه الترمذي
    أي أننا إذا أيقنَّا أن هذا اليوم يقوم فيه الناس لرب العالمين ويأخذون جزاءهم العادل، فالمنطق والعقل والحكمة وحبنا لذاتنا وفطرتنا كل هذا يقتضي أن نستقيم على أمر الله. هذا هو الدليل النقلي الذي ورد في القرآن الكريم عن اليوم الآخر.
    أما الدليل الثاني فهو الدليل العقلي. في الحياة تفاوت كبير، في الصحَّة، في المال، في الوسامة، في الذكاء، في القدرات، في القوى، هناك ظالمٌ ومظلوم، قويٌّ وضعيف، غنيٌّ وفقير، فإذا انتهت الحياة الدنيا هكذا من دون يومٍ آخر فإن هذا الوضع غير السوي لا يتناسب مع كمال الله عزَّ وجل ، فكمال الله يقتضي أن تسوَّى الحسابات وتؤدَّى الظُلامات. إن العقل السليم لا يقبل أبداً أن خالق الكون العظيم يَدَع خلقه هملاً بلا حسابٍ، ولا مسؤوليةٍ، ولا جزاءٍ، ولا ثوابٍ ولا عقابٍ، ولا جنّةٍ ولا نار، ومن ظنَّ أن الحياة الدنيا تنتهي هكذا فما عرف الله أبداً .
    والخطورة هي أن الإنسان أحياناً لا يكذِّب باليوم الآخر تكذيباً قولياً، ولا يكذب باليوم الآخر تكذيباً لفظياً. فهو يقول: "أنا مؤمن بهذا اليوم" ، ولكن إذا دقَّقنا في سلوكه ، وفي عمله، وفي كسبه للمال، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي زواجه، وفي طلاقه، وفي عطائه ومنعه، لا نرى أبداً أن هذا اليوم العظيم داخلٌ في حساباته اليومية. لذا فإن انضباط المؤمن عجيب، وسر انضباطه أن لحظة الوقوف بين يدي الله عزَّ وجل لا تغادر ذهنه أبداً: قبل أن يعصي الله ، قبل أن يغش ، قبل أن يكذب ، قبل أن يأخذ ما ليس له، قبل أن يفتري على الناس يسأل نفسه: ماذا أقول لله عزَّ وجل ؟ فالإنسان يمتحن إيمانه لا بإقراره، بل بعمله ، فإذا كان عمله يؤكِّد إيمانه فليحمد الله عزَّ وجل، أما إذا كان عمله لا يؤكد إيمانه فليشحذ الهمة، وليجدِّد إيمانه، لأنه لمجرَّد أن يعصي الله ولا يستقيم على أمره عليه أن يعلم علم اليقين أن هذا اليوم العظيم ليس داخلاً في حساباته.
    إن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن في رؤية الحياة إن هذا الأخير آمن بالدنيا فقط بأنها كل شيء، والمال فيها كل شيء ، والملذَّات فيها كل شيء ، والقوّة فيها كل شيء ، والجمال فيها كل شيء ، والتنعُّم فيها كل شيء ، مالُها ونساؤها ، وطعامها وشرابها ، ومتعها ومباهجها هي كل شيء، لذا فإن الفرق الجوهري بين المؤمن وغير المؤمن هو أن غير المؤمن يُقبِلُ على الدنيا ولا يسأل ولا يلتفت إلى صواب عمله أو خطئه ، لكن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا بالقدر الذي سمح الله له به. قال عز وجل:
    ((بَقِيَتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ)) [هود]
    أي ما بقي مسموحاً له أن يفعله هو الخير ، أما الذي حرَّمه الله عليه فلا يقترب منه ولو أدّى ذلك إلى هلاكه.
    فكيف يقول الكفار "هذا رجعٌ بعيد" ؟ الله جلَّ جلاله الذي بدأ الخلق يعيده. الذي خلق الإنسان من تراب، من نطفةٍ من ماءٍ مهين، وجعله إنساناً سويَّاً، في دماغه مئة وأربعون مليارَ خليَّةٍ عصبية لم تُعْرَف وظيفتها بعد، في شبكية عينه مئة وثلاثون مليونَ مخروطٍ وعُصيّة، فيه ثلاثمئة ألف شعرة، ولكل شعرة وريد وشريان وعصب وعضلة، وغدَّة دهنية وغدَّة صبغية، الذي أودع فيه قلباً يضخ كل يوم ثمانية أمتار مكعَّبة، وشبكة شرايين وأوردة طولها مئة وخمسون ألف كيلو متر... الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم سيعيد خلقه مرَّةً ثانية وسيحاسبه.
    فمن هو الكافر ؟ هو الذي آمن بالدنيا فقط ، الدنيا في نظره كلّ شيء ، القوَّة فيها كل شيء ، المال فيها كل شيء ، المتعة الرخيصة فيها كل شيء ، ثم يأتي الموت على كل شيءٍ حصَّله في الدنيا، ويخسره في ثانيةٍ واحدة ، لمجرَّد أن يقف قلبه كل أملاكه ما عادت له ، كل ثيابه تبقى في الخزانة، يُلفُّ في قماشٍ أبيض رخيص ، ويودع في التراب ، وانتهى الأمر. لذلك فإن المؤمن يحسب حساباً دقيقاً لهذه الساعة، ساعة مغادرة الدنيا، وغير المؤمن لا يُدْخِلُ هذه الساعة في حساباته أبداً ، وكأن الموت على غيرنا قد كُتِب. فإذا آمنا باليوم الآخر الإيمان الصحيح ، وأدخلنا هذا اليوم في الحسابات اليومية ، بل في الحسابات الساعية ، بل في حساب الثواني ، ونظر أحدنا وقال : ماذا سأجيب الله عن أعمالي يوم القيامة؟ عندها فقط نستقيم على أمر الله ويرضى عنا عز وجل.
    لذا فإن موضوع اليوم الآخر موضوع خطير جداً ، وهو أخطر موضوع في العقيدة بعد الإيمان بالله وأحد أسباب انضباط المؤمن والتزامه بشرع الله. ولنضرب مثلاً توضيحياً على ذلك: إنسان ركب مركبته وسار بها وصادف أمامه إشارة حمراء، والشرطي واقف وسيارة ضابطة المرور واقفة وضابط كبير من شرطة السير واقف، وهو يعلم أنه إذا تجاوز الإشارة سيلحقون به، ويحجزون مركبته، فهل يُعقَل أن يتجاوز هذه الإشارة؟ من المستحيل، ولا واحد بالمليار، أن يتجاوز الإشارة الحمراء وهو يعلم علم اليقين أنه سيُضبَط، وسيُحاسَب أشدّ الحساب من بَشَرٍ مثله، فكيف مع خالق السماوات والأرض؟ كيف؟!! أنستهتر بالالتزام بأمره لمجرد أننا لا نراه؟ فإن كنا لا نراه فإنه يرانا... لذا لا يجب أن يكون الله عز وجل أهون الناظرين إلينا، ولنلتزم أمره في كل عمل من أعمالنا لأن الحساب آت لا ريب فيه فإما الثواب وإما العقاب

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 2:33 am